أمور الآخرة وما يجري فيها من الغيب الذي لا يمكن معرفته إلا بالخبر عنه من الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم نقف على خبر صحيح فيما اطلعنا عليه في هذا الشأن، وغاية ما اطلعنا عليه آثار ضعيفة منها ما ذكره علاء الدين في كنز العمال: أن أول من يعطى كتابه بيمينه أبو سلمة بن عبد الأسد، وأول من يعطى كتابه بشماله أخوه أبو سفيان بن عبد الأسد. ثم قال: رواه الديلمي عن ابن عباس وفيه حبيب بن زريق كاتب مالك.
والأثر الثاني ذكره القرطبي في تفسيره, والشوكاني في الفوائد المجموعة وغيرهما، قال القرطبي نقلا عن ابن عباس: أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، قيل له: فأين أبو بكر؟ فقال: هيهات هيهات!! زفته الملائكة إلى الجنة. ذكره الثعلبي. وقد ذكرناه مرفوعاً من حيث زيد بن ثابت بلفظه ومعناه في كتاب التذكرة. وذكره الخطيب في تاريخه أيضاً وضعفه لضعف عمر بن إبراهيم وكذا قال الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة.
إذاً فغاية ما نقل مما اطلعنا عليه هذه الآثار الضعيفة, ولا يمكن الاستناد إليها في إثبات حكم غيبي كهذا، فلا سبيل إلا التوقف، مع التنبيه إلى أن مثل ذلك مما لا تدعو الحاجة إلى معرفته, ولا ينبني عليه عمل, فينبغي للمرء أن يسأل عما يفيده في دنياه أو أخراه، لما ورد في حديث أنس بن مالك المتفق عليه، وفيه: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: وماذا أعددت لها. فالسؤال ينبغي أن يكون عما يفيد وينفع؛ لأن كثرة السؤال مذمومة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله كره لكم ثلاثا؛ قيل وقال, وإضاعة المال, وكثرة السؤال. متفق عليه واللفظ للبخاري، وحمل أهل العلم ذلك على الأسئلة التي لا تفيد السائل ولا تنفعه في معاشه أو معاده.
والله أعلم.