من أخطر الوثائق التاريخية عن السعودية

لما التقى أمين الريحاني بإبن سعود عام 1922، سمعه يقول لبعض زعماء القبائل: "لا تنسوا أن ما من رجل منكم إلا وذبحنا أباه، أو أخاه، أو إبن عمه وما ملكناكم إلا بالسيف"( ) وأردف إبن سعود، موجهاً كلامه للريحاني: "العشائر لا يفهمون إلا بالسيف"( ).
وما أن ضم الحجاز (ديسمبر 1925) آخر الأقاليم في الخريطة السعودية حتى راحت صحيفة "أم القرى" الناطقة بلسان الملك، تعلن: "أن مملكة إبن سعود هي هبة سيفه"( )
وبالفعل فقد وُضِع السيف في العلم السعودي، تحت عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله". كما صُمّم شعار الدولة بوضع سيفين متقاطعين وسطهما نخلة.
ثم خلفه الملك سعود، الذي كرر على مسامعنا عبارة: "إننا أقمنا هذا المُلك بحد السيف"( ).
كما أن أخاه، الملك فيصل، ما فتئ يردد: "حِنّا أخدناه بالسيف"( )
أما "عبد الله بن جلوي" (إبن عم الملك عبد العزيز) حاكم الأحساء، والكلام للريحاني: " فإن إسمه يُرعب الناس من أطراف القطيف شمالاً، إلى وادي جبرين جنوباً، بل هو إسم تخوف الأمهات به أطفالها".

ووصف ساحة الهفوف "بأنها ساحة الدم، ساحة القطع، والنطع .. خذوه إلى الساحة، وبعد هُنيهة يلمع السيف في شمس الضُحى، فتقطع اليد، أو الرّجل أو الرأس".
ثم روى الريحاني كيف "لمع السيف لمعات ثمانية في ساحة الهفوف، في شمس الضُحى، ورقصت على الأرض ثمانية رؤوس من بني مُرة "بسبب الاشتباه في أنهم سرقوا بعض الإبل"( ) .
والحقيقة فإن هذا السيف السعودي له تاريخ طويل يرجع إلى سنة 1745 حينما تحالف الشيخ "محمد بن عبد الوهاب" وأمير الدرعية "محمد بن سعود".
فكانت العملية الإرهابية الأولى، بالسيف ضد "دهّام بن دواس" حاكم الرياض، التي تم احتلالها ثم "العارض" من بعدها( ).
أما العملية الثانية، التي شهدت استخدام السيف، فإنها استهدفت "عثمان بن معمر" حاكم العُيينة، لأنه طرد الشيخ محمد منها( ).

ولقد أشار حسين بن غنام، مؤرخ آل سعود والمعاصر للأحداث، إلى تلك الواقعة بقوله: "إنه لما تحقق أهل الإسلام من أن ابن معمر مرتد (كافر) تعاهدوا على قتله بعد انتهائه من صلاة الجمعة، وهو في مصلاه في المسجد، في رحب 1163هـ (1749).وهو أمر يثير السخرية والتعجب، إذ كيف يكون حاكم العُيينة كافراً بينما كان يصلي صلاة الجمعة، في مصلاه .. وأن يكون قرار "أهل الإسلام" بقتله في شهر رجب، أحد الأشهر الحُرم؟
وهكذا أخذت دوائر العنف والإرهاب بالسيوف تتسع شيئاً فشيئاً حتى شملت منطقة نجد كلها، ثم اتجهت شرقاً حتى بلغت كربلاء عام 1801.
وتحدث المستر فيلبي، المُدافع الأول عن الوهابيين – السعوديين( ) عن ذلك الهجوم بقوله: "لقد أعمل سعود السيف في رقاب أهلها بلا رحمة، في الشوارع والبيوت، ونهبهم، ودمر ضريح الحسين (رضي الله عنه) ونهب المجوهرات التي كانت تغطي الضريح، وجمع كل شيء ذا قيمة، ثم عاد إلى الدرعية ليحظى بتهنئة والده (عبد العزيز) على الضربة الجريئة التى سددها في سبيل خدمة المذهب الحنيف .. أما في الدرعية فلم يكن هناك حد للفرح والابتهاج الذي عمها، وغمر قلوب أهلها"( )

وما لبث أن تحول الهجوم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، حيث اجتاحت القوات السعودية – الوهابية الحجاز، التي شبهها زميله "كينث وليامز" الرحالة الإنجليزي "بقوات المغول"( ).
وطبقاً للجبرتي "فإنهم استولوا على الطائف عام 1802 بعد حرب استمرت ثلاثة أيام قتلوا خلالها الرجال، وأسروا النساء، والأطفال، وهذا دأبهم مع من يحاربون"( )
وكشف "أحمد زيني دحلان" عن "أن الهجوم قد وقع في ذي القعدة، وهو من الأشهر الحُرم" وأنهم قتلوا الكبير والصغير، والمأمور والآمر، وكانوا يذبحون الصغير على صدر أمه، ونهبوا الأموال، وسبوا النساء، وفعلوا أشياء يطول الكلام بذكرها"( ) .
وأحصى المؤرخ النجدي "إبن بشر" المعاصر للأحداث، عدد شهداء مدينة الطائف، بأنه أكثر من مئتين، كما تحدث عن عمليات "نهب المنازل، وتدميرها بلا رحمة وإتلاف آلاف الكتب"( ) .
أما مكة " فقد حاصروها من جميع الجهات، حتى اشتد البلاء، وعم الغلاء وأكل الناس الكلاب والجيف" على حد تعبير الدحلان"( ).

وكما يضيف المستر فيلبي "فإن القوات السعودية انتشرت في كافة أرجاء مكة لتبحث عن الأماكن التي لها علاقة بالتاريخ الإسلامي، فهدمتها، وهدمت كافة القباب، والأضرحة الخاصة بأبطال وبطلات فجر الإسلام، واستمرت هذه المهمة عدة أسابيع، بحماس منقطع النظير"( ) .
وفي هذا الإطار، مارس سعود سياسة القهر الفكري ضد علماء مكة، بأن أجبرهم على قراءة الرسائل التي وضعها علماء الدرعية( ) وأرغمهم على تدريس كتاب "كشف الشبهات" لمحمد بن عبد الوهاب( ) بهدف فرض المذهب الوهابي وإلغاء المذاهب الأخرى.
ونادى في الحجيج ألا يأتي بعد هذا العام من يكون حليق الذقن، ثم تلا قول الله تعالي: "يا أيها الذين أمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا"( ) .
والمشركون هنا، كما يفسر صلاح العقاد، هم سكان البلاد التي لم تدخل في حكمهم( ).
ولم تسلم المدينة مما حدث لشقيقتها مكة، إذ تعرضت عام 1805 لحصار استمر سنة ونصف "فلما اشتد الضيق بأهلها سلموها" على حد تعبير الجبرتي( )

أما صاحب كتاب "لمع الشهاب" فإنه أشار إلى سعود "بأنه استباح دم أهلها، حتى بعد انتهاء الحرب"( ) وأنه قام بنهب كافة المجوهرات التي كانت في الحجرة النبوية الشريفة( ) وهو ما أكده كل من الجبرتي، ومحمد لبيب البتانوني، وعبد الرحمن الرافعي، والمؤرخ البريطاني جون كيلي( ).
وكما حدث في مكة، فإنهم هدموا الكثير من الآثار الإسلامية، ومنها، قبة "فاطمة الزهراء" بنت رسول الله (ص) وقبة حمزه، وقبة "الحسن بن على" وقبة "محمد الباقر" وقبة "جعفر الصادق" وقبة "عثمان بن عفان، رضي الله عنهم( ).
ولما قُدّر لحفيده عبد العزيز إقامة الدولة السعودية الثالثة، بعد إغتياله حاكم الرياض "عجلان" في مطلع القرن العشرين، فإنه بنى مليشيا "الإخوان" على نفس الأسس التي قام عليها تحالف الدرعية عام 1945( ) .
وكما تشهد أحداث منطقة تربة والخرمة على الحدود الحجازية عام 1919 فإنهم – الإخوان - اجتاحوا القريتين "وذبحوا، بسيوفهم، عشرات الآلاف، بينما كانوا نائمين"( ).
وفي ذلك قال الريحاني: "رأيت الدم يجري كالنهر بين النخيل .. وبقيت سنتين عندما أرى الماء الجارية أظنها دماء حمراء"( ).

وأشار إليها الزركلي بقوله: "كانت جثث القتلى كالتلال"( )
وتحدث عنها إبراهيم عبد الرحمن خميس، أحد أصدقاء إبن سعود، قائلاً: " كانت أرض وادي تربة مفروشة بالجثث متناثرة بين شجر العُشر، والدماء متجمدة حولها، وقد بدا السواد يغطي جلدها من حرار الشمس، وعندما وصلنا إلى معسكر تربة وجدناه مليئاً بالجثث، مكدسة بعضها فوق بعض، كما وجدنا جثثاً أخرى فوق أسرتها لم يستطع أصحابها مغادرتها عندما فوجئوا بهجوم الإخوان( ) أو جنود عبد العزيز "رسل الهول والموت" كما يسميهم أمين الريحاني"( ) .
ولم يتأثر ابن سعود، ولم يبكِ، كما حاول الكُتاب السعوديون تبرئته من تلك المجزرة التي لم تشهد الجزيرة العربية مثلها من قبل، بل أنه، وطبقاً للمصادر البريطانية، اعتبر ما حدث من "الأخبار السارة"( ) وهذا ما تأكد بعد جرائم الحرب التي ارتكبت ضد سكان الطائف، حيث وصف

الريحاني، الذي كان وقتها في الحجاز، هجوم الإخوان عليها (أغسطس 1924) بأنهم "كانوا كالسيل الجارف كانت ساعة الهول والفجع" وروى كيف أن الشيخ "عبد القادر الشيبي" سادن الكعبة المشرفة أخذ يبكي لما وقع في أيديهم، ولما سأله أحدهم، وقد استل السيف فوق رأسه قائلاً: ليش تبتسي (تبكي) يا تسافر (يا كافر)؟ أجابه الشيخ: "أبكي والله من شدة الفرح، أبكي لأنني قضيت حياتي كلها في الكفر، ولم يشأ الله أن أموت إلا مؤمناً موحداً، الله أكبر .. لا إله إلا الله"( ) وبهذه الحيلة تمكن الشيخ الشيبي، من إنقاذ نفسه من موت محقق.
وكان الإخوان، كما يضيف الريحاني "يطرقون أبواب البيوت، ويكسرونها ثم يعملون أيدي السلب، وكانوا يقتلون في سبيل السلب"( ) .
ويشهد المستر فيلبي، الذي كان موجوداً في الحجاز وقتها، مع الريحاني بحجة الوساطة: "بأن سلطان بن بجاد، زعيم "الغطغط" الشرس. قد أعمل السيف في سكان الطائف حتى أخضعهم للحكم الوهابي، بعد أن نهب جيشه كل إنسان، وكل بيت، أما المصطافون فكانوا يفرون أمام الإخوان الوهابيين، الذين راحوا يطاردونهم حتى تمكنوا منهم جميعاً"( ) .

وتحدث الرحالة الإنجليزي كينيث ويليامز عن "الأفعال اللا إنسانية التي ارتكبها الإخوان، الذين أخذوا يذبحون النساء، والأطفال، والشيوخ، وأنهم ارتكبوا من الأفعال ما تسود له الوجوه"( ) .
وفي تقريره عن سبتمبر 1924 قال ممثل بريطانيا في جدة السير "بولارد" Bullard لوزير خارجيته "إن الوهابيين هدموا قبر إبن العباس (عم الرسول) وأن هناك حالات كثيرة من حالات السلب، والنهب، والقتل، ولقد شكا القنصل الهولندي، والكلام لا يزال للسير بولارد، من أن كثيراً من الجاوا، الذين كانوا يصطافون في الطائف قد تعرضوا للقتل، والسلب، والنهب، ولم يتركهم الوهابيون إلا بملابسهم الداخلية فقط، بعد أن أطلقوا عليهم النيران"( ) .
وطبقاًَ لما ذكره المؤرخ الفرنسي "بنوا ميشان" المتخصص في الشئون السعودية "فإن مذبحة الطائف أحدثت ذعراً شديداً في مكة، التي هرب أهلها في اتجاه الساحل، طلباً للنجاة على نحو ما فعلوا عندما وقعت كارثة تربة"( ) .

وحسب تقدير عبد الله عبد الجبار، رئيس البعثة التعليمية الأسبق في القاهرة، فإن عدد الضحايا قد بلغ 1070 شهيداً، مدونة أسماؤهم لديه( ) عدا الذين قتلوا، أو ماتوا من الجوع، والعطش أثناء هروبهم من الطائف إلى مكة ملتمسين النجاة من مذبحة الطائف"( ) التي اعتبرها إبن سعود "بشرى سارة" كما تشهد بذلك برقياته العديدة الموجهة لمستشاره حافظ وهبه، الذي ضمنها في كتابه "خمسون عاماً في جزيرة العرب"( ).
بل أن الملك قد أصدر بياناً، بتوقيع ابنه فيصل "كذّب فيه ما قيل عن اتهام الإخوان بقتل النساء والأطفال"( ) ثم أصدر توجيهاته لحافظ وهبه بألا يتعهد لأي طرف بدفع تعويضات عن الضحايا، وذلك طبقاً لما ذكره حافظ وهبه نفسه( ) الذي أشار إلى ممارسات الإخوان، بعد دخولهم مكة بقوله: "أما شدة الإخوان في مكة، أول دخولهم لها، فحدث عنها ولا حرج، فكل ما يعتقده الأخ منكراً يزيله بنفسه .. ببندقيته .. أو بعصاه .. أو بيده، وإذا وجدك "الأخ" في الطريق، ووجد شاربك طويلاً فإنه يضع يده على شاربك ويقص الزائد، وكذلك إذا وجد الثوب زائداً فإن المقص يعمل عمله في الزائد( ) .

لكن الأخطر من ذلك كله، هو هدمهم لبيت النبي محمد (ص) وقبر السيدة خديجة، وباقي الأضرحة، في شهر نوفمبر 1924، كما أفاد بذلك الوزير البريطاني، السير "بولارد"( ).
وما أن إحتل مدينة جدة (أواخر ديسمبر 1925) حتى أصدر الملك عبد العزيز قراراً في شهر فبراير 1926 بمنع زيارة قبر حواء "أم العالم" كما أسماها الوزير البريطاني( ) الذي ترك الملك وزمرة الإخوان ليهدموا قبرها، في شهر أبريل من نفس العام( ) دونما اعتبار لقيمته التاريخية.وعلى هذا المنوال، وبنفس النشاط والحماس، سافر الملك عبد العزيز ومعه الشيخ "إبن بليهد" والشيخ "عبد الله بن حسن" آل الشيخ إلى المدينة " ليطهروها كما طهروا مكة من قبل" على حد تعبير نفس الوزير( )

ومن ناحية أخرى، فقد تعرض الحجاج، في أول موسم حج يديره السعوديون، إلى مضايقات شديدة، أشار إليها الوزير البريطاني في تقريره عن شهر يونيه، ومما قاله: "أنه تلقى عدة شكاوى من الحجاج، بعضها يتعلق بفرض القيود على تحركاتهم لدرجة أنهم لم يتمكنوا من أداء فريضتهم بحرية، وشكاوى أخرى عبّر أصحابها عن استيائهم من تدمير الأضرحة في مكة وما حولها" مشيراً إلى "أن هناك عدداً كبيراً من الحجاج قد تعرضوا للضرب من قبل الشرطة بسبب التدخين، ولأسباب أخرى ذات صلة بالتعاليم الوهابية الشاذة"( ) .
مضيفاً "أن هناك عدداً آخر من الحجاج قد مات سحقاً تحت أقدام الجمال التي كان يمتطيها الإخوان، والذين جاءوا مندفعين، كتلة واحدة، وسط جموع الحجاج، أثناء رمي الجمرات في منى"( ) .
على أن أخطر ما حدث في منى، هو قيام الإخوان بفتح النيران على أفراد حراسة المحمل المصري.

وحسبما جاء في التقرير الذي قدمه "محمود عزمي باشا" أمير الحج، لعام 1926 إلى مجلس الوزراء المصري، "فإن من هاجم المحمل من السعوديين يقدر بنحو 7.000 رجل، وأنهم كانوا مسلحين، مع أن السلاح كان ممنوعاً في موسم الحج خصوصاً في الأماكن المقدسة، غير أن الحكومة (السعودية) سمحت لهم بدخول الحجاز وهم مسلحين، في حين أنها تعلم جيداً أن حكومة الملك حسين، من قبلها لم تسمح لتلك القبائل، ولا لغيرها بدخولها مسلحة إلى الأراضي المقدسة"( ).
والواقع، فإن حادثة المحمل كانت أشبه ما تكون بموقعة حربية إذ بلغ عدد القتلى 30 شخصاً، حسب تقدير المستر جوردان( ) وزاد عدد الجرحى على 100 جريح( ) .
ومما زاد الأمر سوء أن مذبحة المحمل هذه قد وقعت أمام أعضاء المؤتمر الإسلامي، الذي عُقد في مكة في شهر يونيه، وحسب تفسير حافظ وهبه "فإن الإخوان عقولهم ضعيفة، وهم ممتلئون حنقاً على المحمل وأهل المحمل"( ) في إشارة واضحة إلى حملة محمد علي باشا على الوهابيين (1811-1818) والتي انتهت بانهيار إمارتهم وتدمير عاصمتهم "الدرعية

وفي ذلك قالت جريدة المقطم نقلاً عن "التايمز" اللندنية "إن تصرف الوهابيين كان ينطوي على ما هو أكثر من عداء ديني.. إنهم تذكروا أن مصر هي التي طردتهم من الحجاز"( )
بمعنى أن ما حدث للمحمل المصري، ولحراسه المصريين كان بمثابة "تصفية للثأر" التاريخي، وهو أمر لا يدركه إلا من درس البيئة الصحراوية.
وما يهمنا القول، أن حافظ وهبه بمحاولته التنديد بما كان يفعله الإخوان في مكة من تجاوزات وانتهاكات( ) إنما كان يهدف إلى تبرئة الملك من كل ما حدث إلا أن الملك، وكما أفضى الوزير البريطاني: "فإنه لا يخاف من القوى الأجانبية ولكنه يخاف من العرب أنفسهم"( )
وفي مناسبة تالية قال: "إنه لا يخشى الأجانب بقدر خشيته من المسلمين"( )
ومما قاله السير "أرنولد ويلسون" أحد الرسميين البريطانيين في منطقة الخليج فى هذا الصدد: "إن المبدأ الأساسي لدى الوهابيين هو أن ماعداهم من المسلمين أقل استحقاقاً للرحمة من المسيحيين واليهود"( ) .

وكما يذكر الميجور "ديكسون"Dickson ، الوكيل السياسي في البحرين وحلقة الوصل بين إبن سعود وحكومة الهند البريطانية: " فإن إبن سعود هو الذي كان يحرض الإخوان، ويشحنهم، بواسطة العلماء من آل الشيخ، ضد غيرهم، حتى أقنعهم بأنهم هم المسلمون الحقيقيون، وأن المسلمين الآخرين كفرة وهراطقة .. وأن على "الأخ" ألا يرد السلام إلا "لأخ" مثله .. وإذا ما رأى أحداً من غير زملائه "الإخوان" فينبغي عليه أن يغطي وجهه بيده حتى لا يدنسه منظر الشخص الغريب، وأنه – ابن سعود – هو زعيمهم الحقيقي، وأنه هو الأب الروحي لهم"( ) .
ومع ذلك، فإنه لم يتورع عن التعاون مع الإنجليز للقضاء عليهم( ) إذ لم يعد لهم من خدمات يؤدونها للملك، بعد أن هضم كافة أقاليم شبه الجزيرة العربية من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن بقاءهم بات يشكل خطراً بالغاً على الخرائط البريطانية الخاصة بالمنطقة( ).

وحسب اعتراف ديكسون "فإن سلاح الجو البريطاني قد شارك فى ضرب تجمعات الإخوان، وتقديم المساندة الجوية لابن سعود" مؤكداً على "دور الحكومة البريطانية في انتشاله من الوضع السيء الذي كان عليه، وإنقاذ البيت السعودي" أما عن زعماء الإخوان، والكلام لا يزال للميجور ديكسون "فإنهم أدركوا، بعد معركة "السبلة" أن إبن سعود قد أطلق صيحة الدين لأغراضه الخاصة، ولذلك شعروا بالألم، والندم لأنهم استخدموا كمطية".
ولأن الإرهاب في أساسه إرهاب دولة، ويسير بطريقة منهجية، فإن الملك عبد العزيز قد أنشأ، قبل أن يتخلص من الإخوان، أداة إرهابية أخرى، أسماها "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في سبتمبر 1926( ) ترتبط رئاستها بعائلة آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتشتمل على أرفع الرتب، وأكبر الوظائف، وأضخم المخصصات السرية، والعلنية، ولا ينطبق على منتسبيها نظام الموظفين، شأنهم في ذلك شأن رجال المخابرات والمباحث( )

أما اختيار أعضائها، الذين بلغ عددهم عشرات الآلاف، فهو من صلاحيات رئيس الهيئة في كل منطقة، بعد التشاور مع من يهمهم الأمر( ) .
ولهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عدد من المراكز في البلاد يتجاوز الألفين، بين كبير وصغير، ويحق لكل مركز أن يصدر أوامره لرجال الشرطة والاستعانة بهم، أو "أخويا الأمير" أي حراس الأمير.
وفي حالات كثيرة يمارس رجال الهيئة سلطات الشرطة بأنفسهم، كما تمتلك هذه الهيئات سجوناً خاصة بها، وعدداً وافياً من العصى والهروات( ) لجلد المواطنين وملاحقتهم في الشوارع، والمنازل، والمدارس، والمساجد، ليلاً ونهاراً لخلق جو من الإرهاب بإسم الدين( ) والتجسس على المواطنين ( ) .

ولقد كشف الملك عبد العزيز عن ذلك لما أصدر بياناً إرهابياً ضد سكان مكة قال فيه: "إن لديّ جواسيس يعرفون كل شيء حتى ما يدور بينكم وبين زوجاتكم .. إني أحذركم كي تتخلوا عن مكائدكم الشريرة، وإلا، والله، لأسلط عليكم جماعات من النجديين، الذي لا يعرفون الرحمة، ولن يبقى، بعدها، سوى رؤسكم المقطعة"( ).
ومن مهام هيئة الأمر بالمعروف أيضاً، عزل الشعب السعودي عن روح العصر وإشغاله بصغائر تافهة، وشاذة قد يتعرض من يخالفها إلى عقاب جسدي قد يُفضي به إلى الموت.
ومن هذه المخالفات والمعاصي: حلق الذقن، والتدخين، وسماع الموسيقى والاحتفال بالمولد النبوي( ) وممارسة لعة كرة القدم( ) ولعبة "الكتشينة"( ) واقتناء الصورة، والتماثيل( ) .
وباستعراض العقوبات التي تطبقها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نجد منها، على سبيل المثال: ( )

أولاً: السجن
ويمكن أن يكون هذا السجن سجناً انفرادياً أو جماعياً، وتوضع أغلال الحديد في أحايين كثيرة في اليدين والرجلين معاً، ولا يخضع المعتقل للتحقيق أو المحاكمة وقد يموت المواطن وهو في أحد سجونهم دون أي تدخل من جانب السلطة القضائية أو الإدارية.
وكما سبق وأن ذكرنا فإن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبشكل خاص في الرياض تمتلك سجوناً خاصة بها تخضع في إشرافها كلياً لهذه الهيئة، وعقوبة السجن ليست مرهونة بممارسة محددة بل يمكن أن يتعرض لها أي إنسان لأتفه الأسباب.
ثانياً: الجلد
وهناك نوعان من الجلد: جلد أولي بسيط يُطبق في مراكز الهيئة، مع وابل من الشتائم، والتوبيخ، والتقريع.
وجلد أشد يتم في الميادين، والساحات العامة، والمساجد أمام الناس، مع تشهير واسع يعتبر بمثابة حكم. وتختار مناسبات تجمعات الناس العامة كالأعياد، وأيام الجمع (بعد صلاة الجمعة) لممارسة النوع الثاني من الجلد.
ثالثاً: التعذيب والتعزير
ويمارس عادة في السجون.
رابعاً: القتل
إذا اقتنعت رئاسة هيئة الأمر بالمعروف بقتل صاحب المخالفة فإن ذلك يدخل من ضمن اختصاصها ويتم ذلك بواسطة الشرطة أو "الأخويا".

خامساً: النفي
درجت هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نفي بعض المواطنين من أماكن إقامتهم إلى جزيرة بالبحر الأحمر تسمى جزيرة (فرسان) وتقع مقابل مدينة جيزان في تهامة.
غير أن ما يثير دهشتنا، هو أنه في حين يشدد النظام السعودي، ومطاوعته على تلك المحرمات، أو الممنوعات نرى أن ما اعتبره من محرمات، أو ممنوعات قد دخلت البلاد علناً وفي وضح النهار، ومن مراكز رسمية تستوفي عليها رسوماً تعود لخزينة الدولة، كما أفادنا بذلك الوزير البريطاني في جدة( ).
وأنه في حين يُحرم الشعب، أو يُمنع من أمور سبق ذكرها، أو يُجبر على نهج معين، فإننا نرى ما هو أشد وأدهى منها مباحاً للأسرة المالكة، ناهيك عن تحليل ما مُنع على الشعب أو جزء منه لأفراد الأسرة.

كما أن بعض ما تُصادره هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجهزة ومشروبات، ومخدرات تجد طريقها مرة أخرى إلى السوق عن طريق بعض رجال الهيئة، أنفسهم.
ويمكننا القول، أنه إذا كان "الإخوان" أو الإرهابيون السعوديون قد حققوا للنظام توسيع رقعة مُلكه، ونفوذه، فإن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أراد لها نفس النظام، قد نجحت إلى حد كبير في إشغال الشعب، وحرمانه من ممارسته حرياته الشخصية، بعد فقدانه كافة حقوقه السياسية.
ويمكننا القول أيضاً، أن النظام، الذي أسس مدرسة لتكوين أجيال متتابعة من أشد الناس تخلفاً، وتطرفاً، واستعداداً لنشر العنف باسم الإسلام، قد نجح في تقديم نفسه كبديل للقوى الوطنية الرافضة للسياسة البريطانية، ثم نجح مرة أخرى في تقديم نفسه كبديل للقوى التقدمية للأمريكيين، الذين استعانوا به في إسقاط الخيار الوطني الناصرى، كما تشهد بذلك، محاولاته التخلص من الرئيس عبد الناصر، وتصفيته جسدياً، على يد الملك سعود( ) الذي موّل عملية الانفصال السوري يوم 28 سبتمبر 1961( ) ثم استنزاف مصر في اليمن عسكرياً واقتصادياً، على مدى سنوات خمس (1962-1967) من أجل تحقيق الانتصار الصهيوني.

وسريعاً ما وظف الأمريكيون الأسرة السعودية في مخططهم لتغيير بنية الشرق الأوسط.
وأثبتت تلك الأسرة، مجدداً، أنها أكثر فاعلية بكثير من إسرائيل( ) التي احتفظوا بها لوظيفة محددة وهي حماية المصالح الأمريكية في المنطقة، وخاصة النفط، وشن الحروب المباشرة ضد القوى التقدمية، والقومية بهدف تحجيمها.
مما يعني، من الناحية العملية، أن ما تقوم به إسرائيل يصب في مصلحة تلك الأسرة.
وكما تثبت الوقائع، فإن ثمة اتفاق بين المملكة السعودية والولايات المتحدة على أن تقوم الأولى بالعمل على تمكين الثانية من الهيمنة على العالم بأسره، مقابل تمكين المملكة السعودية من فرض هيمنتها على العالم الإسلامي( ) كما تشهد بذلك أحداث أفغانستان 1979-1989، أي منذ الغزو السوفيتي لها، حتى خروجه منها وما تمخض عنه من تشكيل "تنظيم القاعدة".

فما أن عبرّت القوات السوفيتية خط الحدود مع أفغانستان، والتي قدر عددها كيسنجر بنحو 100.000 مقاتل( ) حتى راح الرئيس كارتر يقول: "إن الفرصة سانحة لنا الآن، كي نقيم حرباً فيتنامية للاتحاد السوفيتي"( ) أي استنزافه في أفغانستان، بعد تحويلها إلى "شرك موجع، ومكلف، بلا جدوى، وشن حرب لا تنتهي إلا بتفككه" على حد تعبير "ريتشارد كيسى" Kasey، رئيس المخابرات الأمريكية CIA، مقترحاً أن تكون الحرب غير نظامية guerilla war fare، حرب بالوكالة Proxy يقوم بها أصوليون إسلاميون، الذين وصفهم "بأنهم مفتاح النصر"( ) .
وعليه، فقد اُعتبرت المملكة العربية السعودية محور أكبر عملية سرية في تاريخ المخابرات الأمريكية( ) لتقوم بالمهام التالية:

- إعلان الحرب المقدسة ضد الاتحاد السوفيتي "الكافر" الذي غزا بلداً إسلامياً، وهو ما يتناغم مع عقيدة سكان المنطقة( ) ولتكون مركزاً للدعاية، بحكم وجود الحرمين، لحث العناصر الشابة، في العالمين: العربي، والإسلامي على السفر إلى أفغانستان للدفاع عنها وطرد المحتلين الكفرة( )
2- أن تكون المملكة "منطقة تجمع" لألاف المتطوعين القادمين من كافة الأقطار، ولقد أنشأت المخابرات الأمريكية مكاتب تحت اسم "مكاتب الخدمات" Maktab al – Khidmat (MAK)، في أكثر من 50 بلد في العالم، من بينها: السعودية، ومصر، والباكستان، والولايات المتحدة نفسها، من أجل تسجيل أسماء المتطوعين وترحيلهم إلى "بيشاور" عبر السعودية( ) .
3- المشاركة في تمويل العملية: ومما يذكر في هذا الشأن، أن المستر "تشارلي ويلسون" Charlie Willson عضو الكونجرس، عن الحزب الديموقراطي وأكبر المتحمسين لاستخدام الأصوليين الإسلاميين، والذي قد تمكن من الحصول على موافقة الكونجرس لاعتماد 3 مليار دولار كنفقات سرية، اتصل بالأمير "بندر بن سلطان" السفير السعودي في واشنطون ليقول له: "إن الله لن يكون سعيداً لو تخلى الملك فهد عن المجاهدين" فأجابه الأمير بندر، على الفور: "إن الله سوف يبتسم .. كما سوف ترى يا تشار لي"( )

والجدير بالذكر أن الأمير بندر قد سبق له أن موّل عمليتين سريتين للمخابرات الأمريكية قام بها كيسي، فدفع 32 مليون دولار "للكونترا" في نيكاراجوا( ) ثم موّل عملية أخرى خطط لها كيسي في لبنان، لتصفية زعيم حزب الله، الشيخ "فضل الله"( ) .
فلما فاتحه كيسي في عملية أفغانستان، ذهب معه إلى المملكة السعودية حيث أبدى الملك موافقته على الاشتراك في العملية، والمساهمة في تمويلها كتعبير عن متانة الصداقة، وقوة التحالف الأمريكي – السعودي، ولإتاحة الفرصة للملك للظهور بمظهر رجل الإسلام الجديد new Islamic man ليواجه قائد الثورة الإيرانية "الخميني"( )
كما أبدى الأمير تركي الفيصل، رئيس المخابرات السعودية استعداده للقيام بأي عمل تطلبه المخابرات الأمريكية( ) من ذلك التزام المملكة السعودية "بدفع دولار أمام كل دولار تدفعه الولايات المتحدة"( ) .

» من اخطر الوثائق فى تاريخ مصر الحديث
» معلومات أساسية عن جمهورية مصر العربية
» لماذا كل مائة شخص في السعودية يحملون 174 خط هاتف جوال؟ Read more: لماذا كل مائة شخص في السعودية يحم
» أخطر مطار فى العالم
» من أخطر الصور الحقيقية فى العالم